لنتأمل قليلاً ، ونتفكر في نعم الله ، أحسن
إلينا وأعطانا وأحيانا ، وحفظنا ووكل ملائكة لحفظنا ، حرساً يحرسوننا بإذن
ربنا ، وأنزل الكتب وأرسل الرسل فأبتلوا من أجل هداية الناس بإذن ربهم
أعظم البلاء ، فلقد بعث الله صفوة خلقه لنا ليخرجنا بإذن الله من ظلمات
الجاهلية والشرك والكفر إلى نور الإسلام والتوحيد ... والحمد لله ، فما
ظنكم بربكم " فما ظنكم برب العالمين " ، ما ظنكم ؟
يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ، ما ظنكم بربنا سبحانه وتعالى ؟!
لنتأمل
قليلاً بعضاً من معاني حُسن الظن بالله تعالى ... لعل الله أن ينفع به
وتحيأ قلوب وتزداد قلوباً يقيناً ونسأل الله من فضله ...
وتأملوا معي هذا المعنى لحُسن الظن بالله تعالى : ( هو ظنّ ما يليق بالله –
تعالى – واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا
مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله – تعالى - ) (1)
فهل قدرنا الله حق قدره ، لما جزعنا من قضاءه وقدره ، وهل قدرنا الله حق
قدره عندما نستهين بمحارمه ، وهل قدرنا الله حق قدره عندما نعلم أنه يرانا
وقريب منا ونبث شكوانا لغيره ، هل قدرنا الله حق قدره عندما نعلم معاني
أسماؤه الحسنى وصفاته العُلى ثم لا ندعوه بها ؟؟؟
لنتأمل هذا الحديث قليلاً : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يقول
الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه
، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأٍ ، ذكرته في ملأٍ غير منهم . وإن تقرب
إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ،
وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " البخاري 7405 .
وكن ذاكراً لله في كل حالة فليس لذكر الله وقت مقيد
ولو لم يكن في ذكره غير أنه طريق إلى حُب الإله ومرشد
لكان لنا حظ عظيم ورغبة بكثرة ذكر الله نعم الموحد
قال ابن حجر ( أنا عند ظن عبدي بي ) أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به ) (2)
تأملوا الحديث وارجعوا للشروح وانظروا لسعة رحمة الله وفضله ، فمن أنت أيها المخلوق ليذكرك الله في نفسه ، وفي ملأ خير من ملأك ؟
انظر كيف أن ربنا يسوقنا للخير والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ... فهلا سارعنا ؟!
فما ظنك بربك ؟
أنظر لنبيك – صلى الله عليه وسلم – يقول في أحلك الأوقات وأصعبها ، في
الغار فيقول : " ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما " البخاري 3653 .
قال الشنقيطي : " وهذا الموقف آية من آيات الله ، اثنان أعزلان يتحديان
قريشاً بكاملها بعدها وعددها فيخرجان تحت ظلال السيوف ويدخلان الغار في
سدفة الليل ويأتي الطلب على فم الغار بقلوب حانقة وسيوف مصلتة وآذان مرهفة
حتى يقول الصديق – رضي الله عنه – والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت
نعليه لأبصرنا فيقول – صلى الله عليه وسلم – وهو في غاية الطمأنينة ومنتهى
السكينة ( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما " (3)
( أهمية حسن الظن بالله تعالى :
1- أن حسن الظن بالله – تعالى – من الأمور التي أوصى بها الرسول – صلى الله عليه وسلم - .
قال – صلى الله عليه وسلم - : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله – عز وجل " (4) .
فحسن الظن بالله تعالى يجب أن يكون صفة المؤمن ومسته طيلة حياته ، ويتأكد
أكثر عند مماته حتى يأتيه الموت وهو محب للقاء الله ؛ ففي الحديث الصحيح : "
من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " .
2- أن حسن الظن بالله تعالى – يرتبط إرتباطاً كبيراً بنواحي عقدية وسلوكية
متعددة ، فهو يرتبط بالتوكل على الله والثقة به ، حيث إنك لا تتوكل إلا على
من تحسن الظن به .
3- ومما يُجلّي أهمية هذا الأمر واقع الناس وحالهم مع حسن الظن بالله ؛ فمن
الناس من اتكل على حسن ظنه بربه واعتمد عليه مع إقامته على المعاصي
متناسياً ما توعد الله به من وقع في مساخطه وما يغضبه ، وغافلاً عن الخوف
من الله حتى وقع في الغرور .
وعلى النقيض من هذا من ساء ظنه بربه فاعتقد بالله خلاف مقتضى أسمائه وصفاته
واقعاً بما وصف الله به الكفار والمنافقين من أنهم يظنون بالله غير الحق
ظن الجاهلية .
ومن هنا يتضح أن مسلك حسن الظن بالله مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا
يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصاً له – سبحانه - . ، ولذا كان على
المؤمن أن يتحرى معرفة المنهج الصحيح في حسن الظن بالله حتى لا يقع فيما
نهى الله عنه من الغرور أو سوء الظن بالله – تعالى - .
4- ومما يبين أهمية هذا الأمر ، أثر حسن الظن بالله على المؤمن في حياته
وبعد مماته ، فإن المؤمن حين يحسن الظن بربه لا يزال قلبه مطمئناً ونفسه
آمنة تغمرها سعادة الرضى بقضاء الله وقدره وخضوعه لربه – سبحانه - ، قال
بعض الصالحين : " استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله – عز وجل – في
كشفها ؛ فإن ذلك أقرب إلى الفرج " ) (5).
( أنواع الظن بالله تعالى
الظن بالله على نوعين :
الأول : أن يظن بالله خيراً .
الثاني : أن يظن بالله شراً .
والأول له متعلقان :
1- متعلق بالنسبة لما يفعله في هذا الكون فهذا يجب عليك أن تحسن الظن بالله
- عز وجل – فيما يفعله – سبحانه وتعالى – في هذا الكون ، وأن تعتقد أن ما
فعله إنما هو لحكمة بالغة قد تصل العقول إليها وقد لا تصل ، وبهذا تتبين
عظمة الله وحكمته في تقديره .
2- متعلق بالنسبة لما يفعله بك ، فهذا يجب أن تظن بالله أحسن الظن ، لكن
بشرط أن يوجد لديك السبب الذي يوجب الظن الحسن ، وهو أن تعبد الله على
مقتضى شريعته مع الإخلاص ، فإذا فعلت ذلك فعليك أن تظن أن الله يقبل منك
ولا تسيء الظن بالله بأن تعتقد أنه لن يقبل منك ، وكذلك إذا تاب الإنسان من
الذنب ، فيحسن الظن بالله أن يقبل منه ، ولا يسيء الظن بالله بأن يعتقد
أنه لا يقبل منه . وأما إن كان الإنسان مفرطاً في الواجبات فاعلاً للمحرمات
، وظن بالله ظناً حسناص ، فهذا هو ظن المتهاون المتهالك في الأماني
الباطلة ، بل هو من سوء الظن بالله تعالى ، إذ أن حكمة الله تأبى مثل ذلك
النوع الثاني : وهو أن يظن بالله سوءاً ، مثل أن يظن في فعله سفهاً أو
ظلماً أو نحو ذلك ، فإنه من أعظم المحرمات وأقبح الذنوب ، كما ظن المنافقون
وغيرهم ممن يظن بالله غير الحق ) (6)
( وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله
بغيرهم ، ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله ، وعرف أسماءه وصفاته ، وعرف
موجب حمده وحكمته ، فمن قنط من رحمته ، وأيس من روحه ، فقد ظن به ظن السوء .
وليتب إلى الله تعالى وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء ، وليظن بنفسه
التي هي مأوى كل سوء ، ومنبع كل شر ، المركبة على الجهل والظلم ، فهي أولى
بظن السوء من أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين ، وأرحم الراحمين ، الغني
الحميد ، الذي له الغنى التام ، والحمد التام ، والحكمة التامة ، المنزه عن
كل سوء في ذاته وصفاته ، وأفعاله وأسمائه ، فذاته لها الكمال المطلق من كل
وجه ، وصفاته كذلك ، وأفعاله كذلك ، كلها حكمة ومصلحة ، ورحمة وعدل ،
وأسماؤه كلها حسنى ) (7)
فـلا تـظنن بـربـك ظـن سـوء فــإن الله أولـى بـالـجـمـيـل
ولا تظـنـن بنفسك قـط خـيـرا فكيف بظـالم جـــان جـهـول
وقل يا نفس مأوى كل سـوء أيُرجى الخير من ميتِ بخيل
وظن بنفسك السوأى تجـدها كـذاك وخـيـرهـا كالمستحيل
وما بك من تقى فيها وخـيـر فتلك مـواهـب الـرب الجـليل
وليس لـهـا ولا مـنـهـا ولكن من الـرحـمـن فـاشكر للدليل
أثر وثمرات حُسن الظن بالله تعالى
1- ( أن حُسن الظن لا يأتي إلا عن معرفة قدر الله ومدى مغفرته ورحمته ) (
.
2- الطمأنينة والسكينة والرضى بالله وبقضاءه وقدره – سبحانه وتعالى - .
3- عبادة الله وتحقيق معنى العبودية لله – سبحانه وتعالى – ( وحسن الظن دليل كمال الإيمان وحُسن الإيمان ) (9) .
4- التوكل أو الثقة بالله تعالى والاعتماد عليه
5- حسن الرجاء بالله تعالى وبموعوده للفرد المتقي المؤمن المحسن
6- قوة الأمة وتمكينها
7- الصبر والجلد وعلو الهمة في الدعوة إلى الله
8- المسارعة للأعمال الصالحة والزهد في الدنيا لما يعلم من فضل الله
9- ( علامة على حُسن الخاتمة وطريق موصل موصل إلى الجنة ) (10) .
أسباب وآثار سوء الظن بالله تعالى
1- الجهل بالله سبحانه وتعالى والجهل باسمائه وصفاته .
2- التوكل على غير الله والتطير وضعف الإيمان واليقين .
3- الاعتقاد بنقصان الدين وعدم تمامه .
4- اعتقاد ابن آدم أنه مبخوس الحق .
5- الأخذ ببعض النصوص وترك البعض
6- التعلق بالدنيا
7- اتباع الهوى .
8- عدم الرضا بحكم الله – سبحانه وتعالى – ورسوله – صلى الله عليه وسلم - .
9- اليأس من روح الله ، وقد يوصل لحد الكفر " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين " .
10- عدم الرضا بالقضاء والقدر .
الوسائل المعينة على حُسن الظن بالله تعالى
( مبنى حسن الظن على العلم برحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وعلمه وحسن
اختياره وقوة المتوكل عليه فإذا العلم بذلك أثمر له حسن الظن بالله . وقد
ينشأ حسن الظن من مشاهدة بعض هذه الصفات ، وبالجملة فمن قامت بقلبه معاني
أسماء الله وصفاته ، قام به من حُسن الظن ما يناسب كل اسم وصفة ، لأن كل
صفة لها عبودية خاصة ، وحسن ظن خاص ) (11)
كيف نحسن الظن بالله تعالى ؟
1- الاستجابة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " .
2- إدراك أهمية التعلق بحسن الظن بالله ومدى أثره على سلوك النفس المؤمنة
في حياتها وحتى الممات ، ومعرفة حال السلف وعظيم تمسكهم بهذا الأمر وحثهم
عليه ؛ فإن هذا أخرى في الاقتداء بهم وتمثل منهجهم .
3- التدبر والتفكر في أسماء الله وصفاته وما تقتضيه من معاني العبودية والإخلاص .
4- التقوى .
5- الدعاء .
التوصيات أو الفوائد – أو سموها ما شئتم - :
هذه النقاط التي لا تتجاوز 4 صفحات ، ما هي إلا رؤوس أقلام من بحث بعنوان "
حُسن الظن بالله تعالى " ، لولا خشية أن لا أحد يقرأه أو يُمل من طول
البحث لوضعته بكامله في الموضوع ، وحسبنا أنها إشارات ولعل الله أن ينفع
بها ...
1- أن حُسن العمل قائد لحُسن الظن بالله تعالى .
2- أن حُسن الظن عقيدة لا تصفو إلا للقلة .
3- أكثر الناس يظنون بالله ظناً سيئاً من حيث شعروا أم لم يشعروا .
4- أن حُسن الظن بالله تعالى سبيل تحصيل خيري الدارين .
5- جهل أغلب الناس بحقيقة حُسن الظن بالله تعالى .
أوصي بالتطرق لموضوع " حُسن الظن بالله تعالى " وتبيين حقيقته ومعناه لحاجة الناس والأمة إليه .
وأوصي المهتمين بالعلم الشرعي وطلبة العلم بتأليف وأخراج كتب تدل المؤمن
على المنهج الحق ، وتبيين آثار الزيغ عن المنهج الحق في حُسن الظن بالله
نسأل الله أن ينفع بما كتبنا ويجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين ...
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله .